فصل: تفسير الآية رقم (34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [23].
{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} أي: هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد لعظمته وجلاله وكبريائه وعلوه وحكمته وعدله ولطفه: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الضمير للعباد. أي: يسألون عما يفعلون كقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92- 93].
قال الزمخشري: إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم، تهيباً وإجلالاً، مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد عليهم، كان ملك الملوك ورب الأرباب خالقهم ورازقهم، أولى بأن لا يُسأَل عن أفعاله، مع ما علم واستقر في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بحكمة، ولا يجوز عليه خطأ، ثم قال: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} أي: هم مملوكون مستعبدون خطاءُون. فما أخلقهم بأن يقال لهم: لم فعلتم؟ في كل شيء فعلوه. انتهى.
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88].
تنبيه:
قال الإمام الغزاليّ في المضنون به على غير أهله: وأما معنى قول الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [125]، فالسؤال قد يطلق ويراد به الإلزام. يقال: ناظر فلان فلاناً وتوجه عليه سؤاله. وقد يطلق ويراد به الاستخبار، كما يسأل التلميذ أستاذه. والله تعالى لا يتوجه عليه السؤال بمعنى الإلزام. وهو المعني بقوله: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} إذ لا يقال لم قول إلزام. فأما أن لا يستخبر ولا يستفهم، فليس كذلك. وهو المراد بقوله: {لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى}. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (24):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [24].
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} كرره استعظاماً لكفرهم، وإظهاراً لجهلهم، وانتقالاً إلى إظهار بطلان اتخاذها آلهة، ومع خلوها عن خصائص الإلهية. وتبكيتهم بإقامة البرهان على دعواهم. ولذا قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} أي: دليلكم على ما تفترون. أما من جهة العقل والنقل، فإنه لا صحة لقول لا برهان له ولا دليل عليه.
قال أبو السعود: وما في إضافة البرهان إلى ضميرهم من الإشعار بأن لهم برهاناً، ضرب من التهكم بهم. وقوله تعالى: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} إنارة لبرهانه، وإشارة إلى أنه مما نطقت له الكتب الإلهية قاطبة، وشهدت به ألسنة الرسل المتقدمة كافة. وزيادة تهييج لهم على إقامة البرهان لإظهار كمال عجزهم. أي: هذا الوحي الوارد في شأن التوحيد، المتضمن للبرهان القاطع العقليّ، ذكر أمتي أي: عظتهم، وذكر الأمم السابقة قد أقمته فأقيموا أنتم أيضاً برهانكم. انتهى.
ثم أشار تعالى أنه لا ينجع فيهم المحاجّة بتحقيق الحق وإبطال الباطل بقوله سبحانه: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} أي: عن النظر الموصل إلى الهدى. ثم بين تعالى أن التوحيد دعوى كل نبيّ، بقوله:

.تفسير الآية رقم (25):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [25].
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ} وقرئ يوحى بالياء وفتح الحاء: {أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}. كما قال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]، وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، فكل نبيّ بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له. والفطرة شاهدة بذلك أيضاً، والمشركون لا برهان لهم وحجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد. ثم بين تعالى بطلان ما يفتريه بعض المشركين من أن الملائكة بناته، تعالى علواً كبيراً، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (26- 27):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [26- 27].
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أي: مقربون: {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} أي: يتبعون قوله، فلا يقولون شيئاً حتى يقوله تعالى أو يأمرهم به كما هو شأن العبيد المؤدبين: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} فلا يعصونه في أمر. إشارة إلى مراعاتهم في أدب العبودية في الأفعال أيضاً، كالأقوال.

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [28].
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي: مما قدموا وأخروا. فهو المحيط بهم علماً: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255]، فكيف يخرجون عن عبوديته؟: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} أي: أن يشفع له، مهابة منه تعالى.
قال المهايميّ: كيف يخرجون عن عبوديته ولا يقدرون على أدنى وجوه معارضته. لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى. إذا الشفاعة لغير المرتضى نوع معارضة معه. وكيف يعارضونه: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ} أي: قهره: {مُشْفِقُونَ} أي: خائفون.
قال ابن كثير: وقوله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}، كقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقوله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، في آيات كثيرة بمعنى ذلك.

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [29].
{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الضمير في منهم للملائكة. لتقدم ذكرهم واقتضاء السياق، وكونه أبلغ في الرد والتهديد.
قال الزمخشري رحمه الله: وبعد أن وصف كرامتهم عليه وقرب منزلتهم عنده، وأثنى عليهم، وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية والأعمال المرضية، فاجأ بالوعيد الشديد. وأنذر بعذاب جهنم من أشرك منهم. إن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل، مع إحاطة علمه بأنه لا يكون كما قال: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]، قصد بذلك تفظيع أمر الشرك، وتعظيم شأن التوحيد. انتهى.
وفي قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} إشعار بظلم من يقول تلك العظيمة. كيف لا؟ وقد استهان برتبة الإلهية وجاوز بها مقامها الأسمى.

.تفسير الآية رقم (30):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [30].
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}.
هذا شروع في آياته الكونية، الدالة على وحدته في ألوهيته، التي عمي عنها المشركون، فلم يروها رؤية اعتبار وتدبر. ومعنى قوله: {كَانَتَا رَتْقاً} أي: لا تمطر ولا تنبت: {فَفَتَقْنَاهُمَا} أي: بالمطر والنباتات. فالفتق والرتق استعارة. ونظير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 11- 12]، والرجع لغة هو الماء والصدع هو النبات لأنه يصدع الأرض أي: يشقها. وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24] وأي: كيف انفردنا في إحداثه وتهيئته ليقيم بنيته: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} [عبس: 25]، أي: من المزن بعد أن لم يكن: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً} [عبس: 26]، أي: ثم بعد أن كانت الأرض رتقاً متماسكة الأجزاء، شققناها شقّاً مرئيّاً مشهوداً، كما تراه في الأرض بعد الريّ. أو شقّاً بالنبات.
وقال أبو مسلم الأصفهانيّ: يجوز أن يراد بالفتق الإيجاد والإظهار كقوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14]، وكقوله: {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} [56]، فأخبر عن الإيجاد بلفظ الفتق وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق.
قال الرازيّ: وتحقيقه أن العدم نفي محض. فليس فيه ذوات مميزة وأعيان متباينة. بل كأنه أمر واحد متصل متشابه. فإذا وجدت الحقائق، فعند الوجود والتكوين يتميز بعضها عن بعض، وينفصل بعضها عن بعض. فهذا الطريق حسن جعل الرتق مجازاً عن العدم والفتق عن الوجود. انتهى.
وقال بعض علماء الفلك: معنى قوله تعالى: {كَانَتَا رَتْقاً} أي: شيئاً واحداً.
ومعنى: {فَفَتَقْنَاهُمَا} فصلنا بعضهما عن بعض.
قال: فتدل الآية على أن الأرض خلقت كباقي الكواكب السيارة من كل وجه. أي أنها إحدى هذه السيارات. وهي مثلها في المادة وكيفية الخلق وكونها تسير حول الشمس وتستمد النور والحرارة منها. وكونها مسكونة بحيوانات كالكواكب الأخرى. وكونها كروية الشكل. فالسيارات أو السماوات هي متماثلة من جميع الوجوه، كلها مخلوقة من مادة واحدة، وهي مادة الشمس. وعلى طريقة واحدة. كلامه.
وقد يرجح الوجه الأول في تفسير الآية لقوله تعالى بعده: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} فإن ذلك مما يبين أن لسابقه تعلقاً بالماء. وعلى هذا فالرؤية في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ} بصرية. وعلى قول أبي مسلم وما بعده، علمية. على حد قوله تعالى لنبيّه صلوات الله عليه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]، مع أنه لم يشاهد الحادثة، بل ولد بعدها. وإنما تيقنها بالأخبار الصادقة. وكذلك ما هنا من الفتق والرتق، بمعنييه الأخيرين، مما أخبر به الحق تعالى على لسان من قامت الحجة على صدقه وعصمته. فكان مما يسهل عليهم تصديقه فعلمُه.
ومعنى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} صيّرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء، لا يحيا دونه. فيدخل فيه النبات والشجر. لأنه من الماء صار نامياً. وصار فيه الرطوبة والخضرة والنَّور والثمر. وإسناده الحياة إلى ظهور النبات معروف في آيات شتى. كقوله تعالى: {وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 19]، وخص بعضهم الشيء بالحيوان، لآية: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45]، ولا ضرورة إليه. بل العموم أدل على القدرة، وأعظم في العبرة، وأبلغ في الخطاب، وألطف في المعنى.
وقوله تعالى: {أَفَلا يُؤْمِنُونَ} إنكار لعدم إيمانهم بالله تعالى وحده، مع ظهور ما يوجبه حتماً من الآيات الظاهرة.

.تفسير الآية رقم (31):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [31].
{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي: جبالاً ثوابت: {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} أي: لئلا تتحرك وتضطرب بهم. فلولا الجبال لكانت الأرض دائمة الاضطراب مما في جوفها من المواد الدائمة الجيشان.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} الضمير في فيها للأرض. وتكرير الفعل لاختلاف المجعولين، ولتوفية مقام الامتنان حقه. أو للرواسي لأنها المحتاجة إلى الطرق. وعلى الثاني اقتصر ابن كثير. قال: فقد يشاهد جبل هائل بين بلدين، وإذا فيه فجوة يسلك الناس فيها، رحمة منه تعالى: {وَسُبُلاً} بَدَل من: {فِجَاجَاً} أشير به إلى أنه مع السعة نافذ مسلوك، وأنه خلق ووسع لأجل السابلة، ومعنى: {يهتدون} أي: إلى مصالحهم. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (32):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [32].
{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً} أي: على الأرض كالقبة عليها: {مَحْفُوظاً} أي: عالياً محروساً أن ينال أو محفوظاً من التغير بالمؤثرات، مهما تطاول الزمان. كقوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ: 12]، {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}. أي: عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر، بالشمس والقمر وسائر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها، على الحساب القويم. والترتيب العجيب، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة. وأي جهل أعظم من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها والاعتبار بها والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو، عَزَّت قدرته ولطف علمه؟.
وقرئ: {عن آيتها} على التوحيد، اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس، أي: هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية كالاستضاءة بقمريها والاهتداء بكواكبها، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها. وهم عن كونها آية بينة على الخالق، معرضون. أفاده الزمخشري.

.تفسير الآية رقم (33):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [33].
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ} أي: ليسكنوا فيه: {وَالنَّهَارَ} ليتحركوا لمعاشهم وينشطوا لأعمالهم: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي: ضياء وحسباناً: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي: كل واحد منهما يجري في الفلك، كالسابح في الماء. والفلك في اللغة كل شيء دائر.
قال بعض علماء الفلك: تشير الآية إلى حركة هذه الكواكب كآية: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 15- 16]، وهما تدلان على أن حركة الكواكب ذاتية. لا كما يقول القدماء من أن الكواكب مركوزة في أفلاكها التي تدور بها، وبدورانها تتحرك الكواكب. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (34):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [34].
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} نزلت حين قالوا: نتربص به ريب المنون، فكانوا يقدّرون أنه سيموت، فيشمتون بموته، لما يأملون ذهاب الدعوة النبوية، وتبدد نظامها، بفقد واسطة عقدها. فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذه الآية، بما قضى أنه لا يخلد في الدنيا بشراً، لكونه مخالفاً للحكمة التكوينية. وأعلم بحفظ تنزيله وحراسته من المؤثرات ما بقيت الدنيا بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
قال ابن كثير: فقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام مات، وليس بحيٍّ إلى الآن. لأنه بشر سواء كان وليّاً، أو نبيّاً أو رسولاً. انتهى.
وتقدم بسط ذلك في سورة الكهف فتذكر. وفي معنى الآية قول عروة الصحابيّ رضي الله عنه:
إذا ما الدهرُ جرَّ على أناسٍ ** كَلاَكِلهُ أَنَاخَ بآخرينَا

فقل للشَّامتينَ بنا: أفيقُوا ** سيلقى الشامِتُونَ كما لقيِنَا

وقول الشافعيّ:
تَمَنَّى أُنَاسٌ أَنْ أَمُوتَ، وَإِنْ أَمُتْ ** فَتِلْكَ سَبيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأوْحَدِ

فقل للَّذِي يَبْغي خلافَ الَّذِي مضى ** تَهَيَّأْ لأُخْرَى مِثْلِهَا، وَكَأنْ قَدِ